من خارج السجال السياسي الدائر بين قوى الثامن والرابع عشر من آذار حول الكثير من القضايا، عاد ملف المحكمة الدولية الخاصة بلبنان إلى الواجهة من جديد، في الأيام الأخيرة، مع إقتراب موعد استحقاق دفع لبنان حصته من ميزانيتها البالغة 49 بالمئة، مع العلم أن هذه المحكمة خارج بساط البحث منذ مدة طويلة، نظراً إلى انشغال جميع الأفرقاء بالأحداث السورية وغيرها من الملفات الأخرى.
وكان من اللافت في هذه العودة، الموقف الملتبس الصادر عن أوساط رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي حول هذا الأمر، ما دفعه إلى الطلب منها سحب هذا الموضوع من التداول الإعلامي بشكل مطلق، فما الذي يحصل على هذا الصعيد؟
حكومة تصريف الأعمال قادرة على التمويل
منذ بداية العودة إلى الحديث عن ملف تمويل المحكمة الدولية الخاصة بلبنان، كانت لافتة المواقف الكثيرة التي صدرت أوساط ميقاتي، والتي أكدت عدم قدرة حكومة تصريف الأعمال على إقرار هذا الأمر، على الرغم من أن ميقاتي إستطاع أن يؤمن ذلك في السنتين الماضيتين من خارج الحكومة، حيث كان من المستحيل أن يوافق مجلس الوزراء في أي جلسة يعقدها على تمويل المحكمة.
وفي هذا السياق، يؤكد الخبير في القانون الدولي أنطوان صفير أن حكومة تصريف الأعمال قادرة على القيام بهذا الأمر، حيث يوضح أن قرار الإلتزام بالتمويل لا يتعلق بالتزام جديد بل هو تسديد دين مترتب على الدولة اللبنانية نتيجة الإتفاقية الموقعة بين الحكومة والمحكمة، ويعتبر أن عدم حصول ذلك يعني أن الدولة متقاعسة عن القيام بواجباتها تجاه المحكمة والمجتمع الدولي.
من وجهة نظر الدكتور صفير، من الأفضل أن يتحجج لبنان بعدم القدرة على التمويل إنطلاقاً من أسباب إقتصادية بحال كان هناك قرار بعدم حصول ذلك، حيث يرى أن المجتمع الدولي قد يتفهم الموضوع أكثر، لكن التحجج بأمور سياسية سيكون له تداعيات خطيرة، ويؤكد أن ذلك لن يؤثر على سير عمل المحكمة، حيث من الممكن أن يؤمن أمين عام الأمم المتحدة بان كي مون مصادر تمويل أخرى.
من جانبه، يؤكد الرئيس السابق لمجلس شورى الدولة القاضي يوسف سعد الله الخوري على وجهة نظر صفير، ويرى أن هذا الأمر أساسي وضروري من الممكن أن تقوم به حكومة تصريف الأعمال، ويعتبر أنها في حال لم تقم بذلك سيكون هناك ضرر بالمصلحة العامة.
ويوضح سعد الله الخوري، في حديث لـ"النشرة"، أن الحكومة تستطيع أن تجتمع في أي وقت من أجل إقرار التمويل، إلا إذا كان هناك رغبة بحصول هذا الأمر من خارج مجلس الوزراء كما حصل في السابق، لكن من الناحية القانونية ليس هناك أي مشكلة في اجتماعها.
ما الذي يريده ميقاتي من التمويل؟
على الرغم من قرار رئيس حكومة تصريف الأعمال سحب هذا الموضوع من التداول الإعلامي، تجمع المصادر القانونية على أن ليس هناك من مشكلة في اجتماع الحكومة من أجل ذلك أو على تأمين التمويل من خارجها، لكن على الصعيد السياسي هناك الكثير من الأسئلة التي تطرح في هذا المجال، لا سيما بعد تسريب الكثير من المعلومات عن أن ميقاتي أبلغ أمين عام الأمم المتحدة عدم قدرة لبنان على دفع حصته، ومن ثم الحديث عن التزامه بالتمويل، وفي ما بعد القول أن هذا الأمر يبحث مع رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان لتأمين المخرج المناسب.
وفي هذا الإطار، تشدد مصادر قوى الرابع عشر من آذار على ضرورة تأمين التمويل، وتحمّل ميقاتي المسؤولية عن هذا الأمر، وترى أن لبنان مُجْبَرٌ على دفع هذا الدين المتوجب عليه، وتلفت إلى أن توفير المبلغ المطلوب يدخل ضمن اطار تصريف الأعمال، ولا يحتاج الى جلسة لمجلس الوزراء، وتؤكد أن وزير المال في حكومة تصريف الأعمال محمد الصفدي وجد آلية للتمويل وطرح الحل على رئيس الحكومة، وترى أن سبب تردد ميقاتي قد يكون عائداً إلى التزامات قدمها إلى حلفائه.
في الجهة المقابلة، تضع مصادر في قوى الثامن من آذار هذا الأمر في سياق "الدلع" السياسي، وتشير إلى أن ميقاتي لم يطلب رأيها عندما كان الموضوع يجب أن يحسم على طاولة مجلس الوزراء قبل استقالة الحكومة، حيث لجأ إلى ابتكار حلول أخرى من أجل القيام بذلك دون العودة إلى الحكومة.
وتعتبر المصادر نفسها أن الموضوع ليس عندها، حيث يستطيع أن يقوم رئيس حكومة تصريف الأعمال بالأمر كما فعل في السابق، لكنها تشير إلى أنه ربما يريد ثمناً سياسياً لذلك من الفريق الآخر، وتضيف: "ربما ينتظر أن تطلب السعودية أو تيار المستقبل منه ذلك رسمياً"، وتؤكد أنه لن يمانع في حال حصول ذلك.